
يمثل النادي الأهلي الكيان الرياضي الذي يحتضن تاريخًا عريقًا وعطاءً لا ينضب في مصر والعالم العربي والإفريقي. منذ تأسيسه في عام 1907، استطاع الأهلي أن يخطّ قصة نجاح مذهلة حُفرت في ذاكرة عشاق الرياضة، فأصبح رمزًا للوحدة الوطنية، و”أبو الأندية” الذي يُحتذى به في كل زمان ومكان. تأسس النادي في فترة كانت مصر آنذاك تحت الاحتلال البريطاني، حيث اجتمع مجموعة من كبار الباشاوات والمفكرين على رأسهم إسماعيل باشا سرى، إدريس رجب باشا، أمين سامي باشا، عبد الخالق باشا ثروت، عمر لطفى وأمين سامي، بهدف تأسيس نادي يُوفر لطلبة المدارس مكانًا لقضاء أوقات الفراغ بطريقة راقية ومنظمة.
في شهر أبريل من عام 1907، بدأ النجم الصاعد في سماء الرياضة المصرية يتألق، حيث تم اختيار الجزيرة كمقر للنادي وتجمّع المساهمون لتغطية ثلث تكاليف الإنشاء، فيما تولى البنك الأهلي سداد الباقي على شكل سلفة. أُطلق على الكيان في البداية اسم “Higher Athletic Club for Students”، قبل أن يتحول تدريجيًا إلى “النادي الأهلي للرياضة البدنية”. وما لبث أن تحول الاسم ليصبح مرادفًا للأصالة والتميز في الساحة الرياضية المصرية والعربية.
كانت البدايات متواضعة، إذ لم تكن التكلفة سوى خمسة جنيهات مصرية، لكن الرؤية الكبيرة والمشاعر الوطنية التي جمعت المؤسسين كانت كفيلة بأن تدفع المشروع نحو مستقبل مشرق. لم يكن أحد يتخيل أن ذلك الصرح الرياضي الصغير سيصبح فيما بعد واحدًا من أقوى أندية القارة الإفريقية، وستظل شهرته تتردد بين أروقة كرة القدم العالمية. فبفضل التخطيط الدقيق الذي قام به إسماعيل باشا سرى وتعيين يوسف أفندي مشرفًا على الإنشاءات بمبلغ رمزي لم يتجاوز الجنيهان والنصف، بدأت مسيرة الأهلي في رسم معالمها الخاصة.
على مر العقود، شهد الأهلي قيادة عدة رؤساء مجلس إدارة تركوا بصمتهم المميزة في تاريخ النادي. بدأت المسيرة مع السيد متشل أنس الإنجليزي في الفترة من 1907 حتى 1908، ثم تولى عزيز عزت باشا رئاسة النادي من 1908 حتى 1914، يليه عبد الخالق باشا ثروت في الفترة من 1916 إلى 1920. ولاحقًا، تولى جعفر ولي باشا مسؤولية النادي من 1922 حتى عام 1940، مما ساهم في وضع الأسس التي بُني عليها النادي فيما بعد. في السنوات اللاحقة، تناوب على رئاسة الأهلي أسماء بارزة مثل أحمد فؤاد أنور، وأحمد حسنين باشا، والمهندس أحمد عبود باشا الذي قاد النادي من 1947 حتى 1961. كما تجلت قيادة عبد المحسن مرتجى في فترتين، أولاهما من 1965 إلى 1967، والثانية من 1971 حتى 1980، قبل أن يحل محلهم المايسترو صالح سليم الذي أصبح أول لاعب يتولى قيادة النادي وظل رئيسًا حتى وفاته عام 2002. واستمرت القيادة بعدها بأسماء مثل عبده صالح الوحش والكابتن حسن حمدي، وصولاً إلى محمود الخطيب الذي يشغل المنصب حتى اليوم.

لم يقتصر تأثير الأهلي على الإدارة فحسب، بل امتدت بصمته إلى الملاعب من خلال مجموعة كبيرة من نجوم الكرة الذين ارتدوا قميصه بأعلى درجات الشغف والاحتراف. فمن صالح سليم ومحمود الخطيب إلى ثابت البطـل وأسامة حسني، مرورًا بمحمد أبو تريكة وجلبرتو والحضـري، مرورًا بمحمد بركات وأحمد السيد وآخرين كثيرين. هؤلاء اللاعبون لم يكونوا مجرد نجوم يتألقون في كل مباراة، بل كانوا أيقونات حملت روح الأهلي إلى آفاق أوسع، وساهموا في تأصيل اسم النادي كأسطورة رياضية لا تنسى.
تُعد إنجازات الأهلي على المستويين المحلي والدولي دليلاً حيًا على تفوقه واستمراريته في عالم كرة القدم. فبفضل جهود الإدارة المتميزة، استطاع النادي أن يحقق مجموع 127 لقبًا رسميًا يشمل بطولات دولية ومحلية على حد سواء. وعلى الصعيد الدولي، استطاع الأهلي أن يحصد بطولة دوري أبطال أفريقيا 11 مرة، ليبرهن بذلك على أنه النادي الأكثر تتويجًا في القارة. كما تألق الأهلي في كأس السوبر الإفريقي التي توج بها 8 مرات، إلى جانب كسبه لكأس الاتحاد الإفريقي وبطولات عربية مثل كأس الأبطال العرب وكأس النخبة العربية.
أما على الصعيد المحلي، فقد كان للنادي نصيب الأسد من البطولات؛ إذ تُوّج بالدوري المصري الممتاز في عدة مناسبات، فضلًا عن تحقيقه لرقم قياسي في كأس مصر بفوزه بها 37 مرة، وكأس السوبر المصري الذي توّج به 9 مرات. ولم تقتصر البطولات على هذه المنافسات فقط، بل حقق الأهلي أيضًا ألقابًا في مسابقات أخرى مثل كأس السلطان حسين والدوري خلال فترة الجمهورية العربية المتحدة وكأس الاتحاد المصري التنشيطي. كل هذه الإنجازات جعلت من الأهلي رمزًا للتفوق والبطولة في عالم كرة القدم.
إن قصة الأهلي هي قصة كفاح وصمود، بدأت منذ أكثر من قرن من الزمان حينما اجتمع رواد الرياضة في مصر على أمل إنشاء نادي يمثل روح الأمة وينشر قيم الاتحاد والانتماء. ورغم التحديات والصعوبات التي واجهت مؤسسيه في ظل الاحتلال البريطاني، استطاع النادي أن يثبت نفسه بفضل عزيمة قادته ومثابرة لاعبيه وجماهيره الوفية. هذه الجماهير التي كانت دائمًا الحافز الدافع للنادي لم تتوانَ يومًا عن دعم فريقها في السراء والضراء، مما جعل من الأهلي ليس مجرد نادي رياضي، بل مؤسسة وطنية تحمل معها أحلام وآمال شعب بأكمله.
على مر السنين، نما الأهلي ليصبح أكثر من مجرد نادٍ لكرة القدم؛ بل أصبح رمزًا ثقافيًا واجتماعيًا يمثل الهوية المصرية والعربية. فقد استطاع النادي أن يخلق جسرًا بين الأجيال المختلفة، حيث يتوارث عشاقه قصص البطولة والانتصارات، وتنتقل حكايات مجد الفريق من جيل إلى جيل. وفي كل موسم جديد، يستمد الأهلي قوته من تاريخه العريق ويواصل كتابة فصول جديدة تضاف إلى سجله الحافل بالإنجازات.
ولعل من أبرز ما يميز الأهلي هو روح المنافسة التي يتجلى فيها الشغف والالتزام بكل ما يقوم به النادي. هذه الروح التي جعلت من الأهلي قوة لا يستهان بها في الساحة الرياضية، بل إنها أصبحت معيارًا يُحتذى به في جميع الأندية. فكلما استهل الأهلي موسمًا جديدًا، كان الهدف الأسمى هو تحقيق المزيد من البطولات وترسيخ مكانته كأحد أعظم الأندية في العالم. إن هذا الطموح المستمر للارتقاء بقدرات الفريق وتطوير الأداء يجعله في طليعة الأندية التي تبني مستقبلها على أسس ثابتة من الانضباط والاحترافية.
ولا يمكن الحديث عن الأهلي دون الإشارة إلى تأثيره العميق في المجتمع المصري، حيث يُعتبر النادي مؤسسة اجتماعية تجمع مختلف الطبقات والأجيال على حب واحد لكرة القدم. فالجماهير التي تملأ ملاعبه في كل مباراة هي انعكاس حي لروح الوحدة والتلاحم الذي يسود داخل المجتمع المصري، وهي تلك الروح التي جعلت من الأهلي رمزًا للهوية الوطنية. كل هتاف وكل شعار يردد في المدرجات يحمل رسالة فخر وانتماء لا يمكن نسيانها.

من خلال مسيرته الطويلة، شهد الأهلي تحولات نوعية على صعيد الإدارة واللاعبين والبطولات، مما أكسبه سمعة عالمية لا تقتصر على حدود مصر فحسب، بل تمتد لتغطي العالم العربي والإفريقي بأسره. وقد ساهمت النجاحات المتلاحقة للنادي في تأكيد مكانته كأحد أعرق وأشهر الأندية في التاريخ الرياضي، وجعلته محط أنظار الصحف والمجلات الرياضية في كل مكان.
إن رحلة الأهلي منذ تأسيسه وحتى اليوم ليست مجرد سرد تاريخي، بل هي معركة يومية تُخاض في ملاعب كرة القدم، حيث يواجه الفريق أقوى الخصوم ويثبت جدارته في كل مباراة. وهذه الرحلة التي بدأت بحلم بسيط في عام 1907، تحولت إلى أسطورة تُروى على مر الأجيال، وتظل مصدر إلهام لكل من يؤمن بأن العزيمة والإصرار هما مفتاح النجاح.
في نهاية المطاف، يمثل النادي الأهلي أكثر من مجرد كيان رياضي؛ إنه رمز للأمل والفخر والانتماء الذي يجمع المصريين والعرب تحت لواء واحد. إن التاريخ المجيد الذي يحمله الأهلي في جعبته هو شهادة على أن العمل الجاد والتفاني يمكن أن يحققا المستحيل، وأن الإيمان بمستقبل أفضل هو الدافع الذي يستمر في دفع النادي نحو المزيد من الإنجازات والبطولات. ومع كل جيل جديد ينضم إلى صفوف الفريق، تظل روح الأهلي حية تنبض بالشغف والعطاء، مما يجعله النادي الذي لا يُضاهى في عالم كرة القدم.
هذه المسيرة العظيمة التي خاضها الأهلي عبر السنين تشهد على قوة الإرادة وقدرة الإنسان على تحويل التحديات إلى فرص، وهي قصة تروى ليس فقط في مصر، بل في كل ركن من أركان العالم حيث يحترم الناس التاريخ العريق والإنجازات الرياضية التي لا تُنسى. ومن خلال كل مباراة وكل بطولة، يواصل الأهلي تقديم أداء يُبرهن على أنه نادي يتجاوز حدود الزمن ليظل خالدًا في ذاكرة كل من عشق اللعبة وروح الانتصار.