في خطوة تعكس توجه المملكة العربية السعودية نحو تعزيز الشراكة بين القطاعين العام والخاص في المجال الرياضي، أعلنت وزارة الرياضة السعودية عن إبرام اتفاقية تاريخية مع مصرف الإنماء، يتم بموجبها تغيير اسم ملعب مدينة الملك عبدالله الرياضية في جدة إلى "ملعب الإنماء" حتى عام 2029. هذه الصفقة تمثل نقطة تحول في استراتيجية استثمارية تستهدف إشراك القطاع الخاص في تطوير الرياضة السعودية، بما ينسجم مع رؤية المملكة 2030.
أول اتفاقية من نوعها في الملاعب السعودية
تعد هذه الصفقة الأولى من نوعها في السعودية فيما يتعلق بمنح حقوق تسمية ملعب لشركة خاصة، وهو أمر لم يحدث سابقًا لأي من الملاعب التي ستستضيف مباريات كأس العالم 2034. ويمثل هذا التوجه نقلة نوعية في إدارة المنشآت الرياضية، حيث يسهم في فتح آفاق استثمارية جديدة أمام القطاع الخاص، ويتيح فرصًا لعلامات تجارية كبرى لدخول سوق الرعاية الرياضية.
على الرغم من أن صندوق الاستثمارات العامة السعودي يمتلك جزءًا من أسهم مصرف الإنماء، إلا أن الحصة الأكبر تعود للقطاع الخاص، مما يجعل هذه الاتفاقية نموذجًا فريدًا للتعاون بين الدولة والمستثمرين. كما أن مصرف الإنماء ليس غريبًا عن المشهد الرياضي، حيث يُعتبر "الراعي البلاتيني" للدوري السعودي للمحترفين إلى جانب منصة التجارة الإلكترونية "نون" والراعي الرئيسي "روشن".
مشروع استثماري يمتد لعدة ملاعب
لم تكن هذه الاتفاقية مجرد صفقة منفردة، بل هي خطوة أولى في مشروع أوسع يستهدف العديد من الملاعب في مختلف مناطق المملكة. وأكدت وزارة الرياضة السعودية في بيانها أن هذا المشروع يهدف إلى تمكين القطاع الخاص وتعزيز دوره في تنمية القطاع الرياضي، مما يعكس استراتيجية جديدة لتنويع مصادر التمويل بعيدًا عن الاعتماد الكلي على الحكومة.
ملعب الإنماء ضمن استعدادات كأس العالم 2034
على الرغم من تغيير اسم الملعب إلى "ملعب الإنماء"، إلا أنه لن يحمل العلامة التجارية للمصرف خلال بطولة كأس العالم 2034، بسبب لوائح الاتحاد الدولي لكرة القدم "فيفا" التي تنظم مثل هذه المسائل.
وفي سياق الاستعدادات للمونديال، يجري العمل على مشروع استاد أرامكو في الخبر، والذي يُعد شراكة بين "روشن العقارية" وصندوق الاستثمارات العامة وشركة النفط السعودية العملاقة أرامكو. ومع أن اسم أرامكو سيكون مرتبطًا بالاستاد، إلا أن هذه الشراكة تختلف عن نموذج رعاية حقوق التسمية التقليدي، حيث تقوم أرامكو بتمويل المشروع وتشغيله مباشرة.
دور ملعب جدة في كأس آسيا 2027 والأحداث الرياضية الكبرى
لم يقتصر دور ملعب الإنماء على كأس العالم 2034 فقط، بل من المتوقع أن يكون أحد الملاعب المستضيفة لكأس آسيا 2027. وعلى مدار السنوات الماضية، استضاف الملعب مجموعة متنوعة من الفعاليات الرياضية الكبرى، شملت مباريات كرة القدم، ونزالات الملاكمة، وبطولات التنس، وعروض المصارعة، مما يعكس أهميته كمنشأة رياضية متعددة الاستخدامات.
الجوانب المالية للصفقة وتأثيرها على تمويل مشاريع المونديال
لم يتم الإفصاح رسميًا عن التفاصيل المالية لصفقة التسمية بين وزارة الرياضة السعودية ومصرف الإنماء، لكن يُتوقع أن يكون لها دور مهم في تخفيف العبء المالي على الحكومة فيما يتعلق بتجهيز الملاعب لاستضافة كأس العالم 2034.
وكانت التقارير قد أشارت إلى أن لجنة حكومية بقيادة ولي العهد الأمير محمد بن سلمان تُجري مراجعة شاملة لمشاريع البنية التحتية المتعلقة بالمونديال، خاصة في المناطق المستضيفة مثل نيوم وساحل القدية، حيث تسعى المملكة لضمان تنفيذ المشاريع بأعلى المعايير العالمية.
صفقات التسمية.. توجه عالمي في صناعة الرياضة
ليست هذه الصفقة هي الأولى من نوعها عالميًا، بل تأتي ضمن توجه متزايد نحو استثمار العلامات التجارية في حقوق تسمية الملاعب. على سبيل المثال، أبرمت شركة "طيران الرياض"، الناقل الوطني السعودي الجديد، واحدة من أكبر صفقات التسمية العام الماضي، عندما حصلت على حقوق تسمية ملعب "ميتروبوليتانو" الخاص بنادي أتلتيكو مدريد الإسباني، وهو استاد يتسع لـ 70 ألف متفرج.
وتعكس مثل هذه الصفقات مدى إدراك الشركات الكبرى لقيمة العلامة التجارية التي يمكن تحقيقها من خلال الارتباط بالمؤسسات الرياضية الكبرى، وهو ما تسعى المملكة للاستفادة منه في تطوير بنيتها التحتية الرياضية.
نقلة نوعية في الاستثمار الرياضي السعودي
مع استمرار المملكة في تعزيز شراكاتها مع القطاع الخاص، يبدو أن الاستثمار الرياضي سيشهد طفرة غير مسبوقة خلال السنوات المقبلة. ومن المتوقع أن تكون صفقة "ملعب الإنماء" بداية لسلسلة اتفاقيات مماثلة تشمل العديد من الملاعب الأخرى، مما يوفر تمويلًا مستدامًا لمشاريع التطوير الرياضي في السعودية.
هذا النموذج الجديد من الاستثمار الرياضي، الذي يدمج بين الرؤية الحكومية الطموحة وديناميكية القطاع الخاص، لا يعزز فقط البنية التحتية الرياضية في المملكة، بل يضعها أيضًا في مصاف الدول الرائدة في مجال التسويق الرياضي واستقطاب كبرى الشركات العالمية للمشاركة في صناعة الرياضة.