تشهد الساحة الكروية السعودية دائمًا جدلاً واسعًا حول قرارات مدربي المنتخب واختياراتهم القائمة للمباريات الدولية، ولا سيما عندما يتعلق الأمر باستبعاد لاعبين كانوا يشكلون جزءًا أساسيًا من تشكيل المنتخب في الفترات الماضية. وفي الآونة الأخيرة، برزت تساؤلات كثيرة حول قرار المدرب الفرنسي هيرفي رينارد باستبعاد محمد العويس من قائمة المنتخب للمباراتي الصين واليابان في التصفيات الآسيوية المؤهلة لكأس العالم 2026، مما أثار موجة من التكهنات حول دوافع هذا القرار. يطرح السؤال: هل يأتي الاستبعاد نتيجة تقييم فني بحت يستند إلى مستويات اللاعبين الحالية مع أنديتهم، أم أن هناك جانبًا آخر يتعلق بتجديد مسار العلاقة مع اللاعب، كما يشير التعبير الشهير الذي تداوله البعض، أي مبدأ “خلع الزوجة”؟
خلفية القرار
من المعروف أن إعلان قائمة المنتخب السعودي قبل أي استحقاق دولي يكون عادةً مسبوبًا بسلسلة من التساؤلات والمناقشات حول استبعاد بعض اللاعبين واستدعاء آخرين، خاصةً في ظل توقعات الجماهير التي تعتمد على أداء نجوم المنتخب داخل الملاعب وفي أنديتهم. ومع إعلان رينارد لقائمة المباراتين ضد الصين واليابان، لم تكن مفاجأة أن تتصدر أسماء من اللاعبين الذين اعتاد الجمهور رؤيتهم في صفوف المنتخب، وكان من أبرزها محمد العويس، الذي طالما اعتبر من الأعمدة التي يقوم عليها خط الدفاع في المنتخب السعودي.
مسار محمد العويس مع المنتخب
يُذكر أن محمد العويس، الذي بدأ مسيرته الدولية مع المنتخب السعودي في 10 أكتوبر 2019 أمام سنغافورة ضمن تصفيات كأس العالم 2022، لعب حوالي 30 مباراة دولية تحت قيادة رينارد. شارك بانتظام مع المنتخب، وكان له حضور بارز في مونديال قطر، حتى اضطر للابتعاد عن الصفوف بسبب الإصابة التي ألمّت به. ولم يكتفِ رينارد باستخدام اللاعب الذي اعتاد الجمهور على رؤيته، بل اعتمد في بعض المناسبات على حارس الهلال، مما أضفى بعدًا جديدًا على التشكيلة وفتح الباب أمام أسئلة حول مواصلة الاعتماد على العويس.
تصريحات محمد نور

في تصريحات قدمها محمد نور، أسطورة الاتحاد، في مقابلة مع الإعلامي خالد العليان، جاء الحديث عن ضرورة التضحية من قبل لاعبي المنتخب في الفترة القادمة. إذ أشار نور إلى أن “الأفضلية نسبية” وأن الفترة المقبلة تحمل ثلاثة مباريات حاسمة أمام فرق مثل الرياض والشباب والأهلي، وهي المباريات التي ستحدد موقف المنتخب في التصفيات. وأوضح نور أن أي تعثر في إحدى هذه المواجهات سيؤدي إلى فقدان نقاط ثمينة قد تغير معادلات المنافسة، سواء في دوري روشن أو في بطولات أخرى. هذا التصريح يأتي في سياق الحاجة إلى التمسك بأعلى مستويات الأداء والالتزام الكامل بتعليمات المدرب، خاصةً في ظل التحديات التي تواجه المنتخب السعودي حاليًا.
الأداء الحالي للاعبين
يرى البعض أن قرار استبعاد محمد العويس من قائمة المباراتين قد يكون قرارًا فنيًا بحتًا يعتمد على معايير الأداء الحالي مع أندية اللاعبين، إذ لاحظت التقارير أن بعض حراس المرمى الذين تم استدعاؤهم، مثل أحمد الكسار ونواف العقيدي ومشاري سنيور، يشاركون بشكل منتظم مع أنديتهم. على سبيل المثال، يُعد نواف العقيدي لاعبًا يحظى بفرصة اللعب بصفة أساسية منذ انتقاله من النصر إلى الفتح في فترة انتقالية بدأت في يناير، فيما يشهد مشاري سنيور مستويات جيدة مع الرائد في أول مواسمه بدوري المحترفين. بالمقابل، فإن أحمد الكسار رغم ظهوره المميز مع المنتخب في كأس آسيا الماضية وخمس مباريات ضمن تصفيات كأس العالم 2026، إلا أن مشاركته مع القادسية كانت محدودة، إذ لعب مباراة واحدة فقط في كأس الملك طوال الموسم. حتى حارس الاتحاد الشاب حامد الشنقيطي لم يشارك في دوري روشن، ما يجعل قرار رينارد باستبعاد العويس موضوعًا يستحق التأمل.
قرارات رينارد السابقة
من جهة أخرى، يُذكر أن رينارد لم يكن غريبًا عن اتخاذ قرارات مثيرة للجدل في السابق، فقد قرر ضم محمد العويس لقائمة المنتخب في بطولة كأس الخليج العربي “خليجي زين 26” بين شهري ديسمبر ويناير الماضيين، رغم أنه لم يشارك في التدريبات سوى مرة واحدة بعد عودته من الإصابة. هذا التناقض في القرارات يثير التساؤل حول المحفزات التي يقيم بناءً عليها رينارد خياراته، خاصةً عندما يتعلق الأمر بحراس المرمى الذين يشغلون مركزًا حساسًا في الفريق الوطني.
تفسيرات محتملة
يتساءل الجمهور: هل يعكس استبعاد العويس رغبة المدرب في تجديد التشكيلة والتأكيد على الانضباط الفني المطلوب للمباريات الحاسمة، أم أن القرار يحمل في طياته رسالة ضمنية تستند إلى تجارب سابقة؟ ففي مقابلة لافتة للنظر، أشار رينارد إلى موقف مشابه عندما تحدث مع اللاعب عبد الله المعيوف، الذي أعلن اعتزاله الدولي في عام 2019، حيث قال له: “إن كنت متزوجًا وخلعتك زوجتك فهل ستعيدها؟ بالطبع لا”. هذه العبارة التي أثارت الكثير من الجدل، ظلت تتردد في أروقة وسائل الإعلام، وأصبحت رمزًا للتغيير الجذري الذي قد يطرأ على العلاقة بين المدرب واللاعبين الذين لم يعودوا يساهمون بنفس القدر في رفع مستوى الفريق.
مستقبل العويس مع المنتخب

على الرغم من أن محمد العويس لم يؤكد رسميًا نيته الاعتزال بعد مشاركته في كأس الخليج، فقد ظهرت تقارير إعلامية تفيد بأنه قد يكون على وشك اتخاذ قرار بالابتعاد عن الخط الوطني، مما يضيف بُعدًا آخر لتلك المقارنة الساخرة بين القرارات الفنية والقرارات الشخصية. فقد أكد العويس في تصريحات سابقة رغبته في الاستمرار مع المنتخب السعودي والمشاركة في بطولة كأس آسيا 2027، وأنه يأمل أن يُرفع الكأس في المملكة، وهو ما يدل على تصميمه على استكمال مسيرته الدولية رغم التحديات.
خاتمة
تظل التساؤلات قائمة حول دوافع استبعاد العويس؛ فهل هو مجرد تقييم فني يعتمد على الأداء الحالي مع النادي ومعدل المشاركة في المباريات، أم أن هناك عوامل أخرى تتعلق بالتحولات الشخصية والاحترافية التي قد تؤثر على مستقبل اللاعب مع المنتخب؟ في ظل الأوضاع الراهنة والضغط الجماهيري الذي يتزايد مع كل إعلان لقائمة المنتخب، يبقى القرار محط نقاش واسع بين محبي كرة القدم والمحللين الفنيين على حد سواء.